أربع قواعد قرآنية لخلاص المؤمنين مما هم عليه من غي وضعف واتباع للشهوات.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون، في القرآن الكريم آية ينبغي أن نقف عندها مليّاً فالله جل جلاله يقول:
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾
[ سورة آل عمران: 18 ]
فشهادة الله لعباده كيف تكون؟ إنسان يشهد لإنسان، ينطق بلسانه، يقول: أنا أشهد أنك دفعت لفلان مئة ألف، ويأتي القاضي ويسأله ويجيب، كيف نفسر قوله تعالى:
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾
[ سورة آل عمران: 18 ]
شهادة الله لعباده دقيقة جداً، هناك كلام وهناك أفعال، إذا تطابقت أفعاله مع أقواله شهادة لنا أن قرآنه هو كلامه، مثل: حينما يقول الله عز وجل:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
[ سورة النحل: 97]
المؤمن الذي آمن الإيمان الحق واستقام على أمر الله وعمل صالحاً، حينما يعيش حياة طيبة، حينما يحيا حياة طيبة، الحياة الطيبة شهادة الله له ولمن حوله أن هذا القرآن كلامه هو.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
[ سورة طه: 124 ]
المعيشة الضنك التي يحياها المعرض شهادة الله له ولمن حوله، أن هذا القرآن كلامه، يشهد الله لعباده أن هذا القرآن كلامه حينما يحقق الوعد والوعيد بأفعاله، فإذا جاءت أفعاله مطابقة لأقواله فهذه المطابقة هي شهادة الله لعباده أن هذا القرآن كلامه. طلاب صف دخلوا إلى الصف فإذا على السبّورة مكتوب الأحد الساعة الأولى مذاكرة رياضيات، التوقيع المدرس، يا ترى لعل طالب كتب هذه العبارة ليربك الطلاب، أم لعلها من خط المدرس؟ يوم الأحد الساعة الأولى إذا دخل المدرس وقال: افتحوا أوراق الامتحان، واكتبوا الأسئلة معنى هذه العبارة بخط المدرس وبعلمه! إذاً نحن هنا أمام تطابق الأفعال مع الأقوال، وهذا دليل أن هذا القرآن الذي بين أيدينا كلام الله، سقت هذه كمقدمة لموضوع خطير جداً.
نحن الآن مع القرآن الكريم:
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
[ سورة الصافات: 173]
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
[ سورة الحج: 38]
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
[ سورة النساء: 141 ]
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
[ سورة آل عمران: 139]
﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾
[ سورة الحج: 40]
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
[ سورة النور: 55 ]
أنا أسمعتكم آيات كثيرة كلها فيها وعود للمؤمنين، ألم يخطر في بالكم أن الواقع الإسلامي لا يؤيد هذه الآيات؟ إذا قال الله عز وجل:
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
[ سورة النساء: 141 ]
أعدائنا لهم علينا ألف سبيل وسبيل! وهؤلاء الملايين المملينة، المليار ومئتي مليون أو ثلاثمئة مليون ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، ولأعدائهم عليهم ألف سبيل وسبيل، هذا الواقع! وإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
[ سورة النور: 55 ]
حينما كنا في القرون السابقة أسسنا دولة رائعة في الأندلس، الآن أقيم معرض في الأندلس، وقد ذكر في هذا المعرض أن المسلمين وصلوا إلى هذه البلاد، وأنشؤوا المدن وأقاموا حضارة رائعة، يوجد وعود إلهية، أنا والله أرى أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، لكن هناك مفارقة كبيرة، تجد في القرآن آيات تعد المؤمنين بالنصر والغلبة والتفوق والعزة، تجد واقع المسلمين خلاف ذلك! الإنسان يتمزق، يشعر بشرخ في شخصيته، دائماً الواقع عكس الوعد الإلهي، وشيء واقع.
عندنا أربع قواعد للخلاص :
أين الاستخلاف؟ والله لا استخلاف!
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾
[ سورة النور: 55 ]
أين التمكين؟ والله لا تمكين!
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
[ سورة النور: 55 ]
أين التطمين؟ لا تطمين، لا استخلاف، ولا تطمين، ولا تمكين، ولا نصر، ولا كلمة عليا، وللكافرين علينا ألف سبيل وسبيل، هذه مقدمة ثانية، ما العمل؟
أنا أريد فهم واقعي لهذه الآيات، الواقع عكس هذه الوعود، هل يعقل أن يخلف الله وعده؟ لا أبداً مستحيل وألف ألف مستحيل، لو حللنا أنا أردت من هذا التحليل أن أضع لكم أربع قواعد للخلاص؛ إما خلاص فردي، أو خلاص جماعي، الله عز وجل أجل وأكرم من أن يأخذ المطيع بالعاصي، إذا أمكنك أن تصلح الناس جميعاً فأنت بطل، وإن لم يمكنك أن تصلحهم ماذا تفعل؟ أصلح نفسك، أقم الإسلام في بيتك وفي عملك، الجأ إلى كهفك، مسجدك، وإلى بيتك، لأنه ظهر الفساد في البر والبحر، أينما توجهت تجد الفساد عريضاً، في الطريق، حتى في المعابد يوجد فساد لا يعلمه إلا الله، حتى في الصحف والمجلات، حتى في الشاشة، أينما توجهت تجد دعوة إلى المعصية وإغراءً لها! أنا ماذا أفعل؟ أنا لا أستطيع أن أهدي الناس جميعاً، حينما لا أجد أن هناك ثمرة يانعة أجدها من دعوتي إلى الله لا أقل من أن ألتفت إلى نفسي وأن أصلحها، وأصلح بيتي وعملي.
1 ـ أول بند أن ندع كل شهوة محرمة وأن نحكم اتصالنا بالله :
أول بند:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم: 59]
في علم الأصول المفهوم المعاكس، المعنى المعاكس المعنى المخالف إذا كان سبب تخلفنا وفقرنا وضعفنا وذلنا نتج من اتباع شهوة محرمة، ومن عدم إحكام الصلاة، فالحل يكون بالعكس: أن ندع كل شهوة محرمة وأن نحكم اتصالنا بالله هذا أول بند، مادام الله عز وجل يقول:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم: 59]
لو أننا لم نضع الصلاة ولم نتبع الشهوات لا بد أن تتحقق فينا وعود الله عز وجل، وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها، لكن إضاعة الصلاة تعني تفريغها من مضمونها، لذلك:
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ أخوانكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]
إذاً: تضييع الصلاة لا يعني تركها، بل أن تؤدى أداءً شكلياً، ألا تسبقها استقامة، ألا يسبقها خوف من الله، ألا يسبقها إحسان إلى الخلق، فهم المسلمون الدين فهماً خاطئاً: أنه عبادات شعائرية، وهذا الفهم الخاطئ سبب هلاكهم، تجد معظم المسلمين تعامله، تعاشره، تدخل بيته، تحتك معه، لا ترى الإسلام مطب في حياته، لكنه يصلي، كيف فصل بشكل عجيب هذه الصلوات وتلك الشعائر عن الحياة اليومية؟!!
سبب هلاك الإنسان أن ينعم بشيء منعه الله عنه :
يا أيها الأخوة الأكارم: قلت مرة في خطبة قبل أسبوعين: ما لم نؤمن بالله حق الإيمان، وما لم نحكم شريعته في كل مناح حياتنا، ما لم نفعل ذلك لن نقطف ثمار ديننا، أول بند:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم: 59]
أول بند: ألا أتّبع شهوة لا ترضي الله، أنا مقيد بمنهج الله، أنا آكل الأكل مباح، وأتزوج وأعمل وأنام وأستريح وأتنعم بما سمح الله لي، أما أن أفكر أن أتنعم بشيء منعه الله عني وحرمه علي فهذا سبب هلاك الإنسان.
﴿ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم: 59]
إن أردنا ألا نلقى الغي ينبغي ألا نتبع الشهوات وأن نحكم اتصالنا بالله عز وجل.
يجب أن ننهض ونفكر كيف نصبح عند الله مرضيين :
يا أيها الأخوة، ليس فيكم واحد إلا ويعرف مقامه عند الله، هل هو في طاعة أم في معصية؟ في سبق أم في تقصير؟ في إخلاص أم في زيغ؟
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾
[ سورة القيامة: 14-15 ]
يجب أن تشعر أنه ليس بينك وبين الله حجاب، يجب أن تشعر أنك عند الله في مركز قوي، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، هذا شيء مصيري وحياتي، فيجب أن ننهض و نفكر كيف نكون عند الله مرضيين؟ بطاعتنا، بكسبنا لأموالنا، بإنفاق الأموال، ببيوتنا، بعلاقاتنا بأهلنا وبالمؤمنين، بأعمالنا الطيبة، حينما تفكر في تحسين واقعك السلبي والإيجابي اعمل عملاً صالحاً في رفع مستوى علمك في الله عز وجل، ورفع مستوى صلاتك، حينما تفعل هذا، حينما تبتعد عن كل شهوة محرمة، وحينما تحكم اتصالك بالله عز وجل هذا هو الحل الأول، لأنه مناقض لسبب الدمار الأول.
﴿ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم: 59]
لأنهم أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، هذه واحدة، أول بند.
حقيقة الدين عند الله أن تسلم وجهك لله :
البند الثاني:
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
[ سورة النور: 55 ]
دينهم الذي ارتضاه لهم، والذي وعدهم بتمكينه مقيد بأنه ارتضاه الله لهم، الآن: فإن لم يمكنهم معنى ذلك أن دينهم لم يرتضيه الله لهم، يوجد دين أساسه المظاهر، دين أساسه الطرب، دين أساسه الولائم، دين أساسه النزهات، دين أساسه الألقاب العلمية العالية، يوجد مظاهر دينية صارخة لكنها شيء، والدين شيء آخر. مثلاً: يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾
[ سورة آل عمران: 19 ]
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهَ ﴾
[ سورة آل عمران: 85 ]
لو تعمقت في فهم هذه الآية أي حقيقة الدين عند الله أن تسلم وجهك لله، والشيء الذي يلفت النظر: أن كل الأنبياء قاطبة من دون استثناء وصفوا بأنهم مسلمون، افتح القرآن سيدنا موسى، سيدنا عيسى، سيدنا إبراهيم، نبي هو مسلم، الإسلام الانصياع لمنهج الله، الانقياد لله، الإنسان حينما ينقاد لهوى نفسه وينقاد لشهوته، حينما يتعصب لقومه حينما يقف جنب عائلته، حينما يؤثر هواه على طاعة ربه هذا لا يستحق أن يكون دينه ديناً ارتضاه الله له! اقرؤوا تاريخ الصحابة سيدنا ابن رواحة أرسله النبي لتقييم تمر خيبر تنفيذاً لاتفاق بين النبي وبين يهود خيبر، اليهود أغروه بحلي نسائهم فلعله يخفض تقييم التمر فقال هذا الصحابي الجليل: جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم عندي أبغض إلي من القردة والخنازير ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقال اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا، إن لم تكن عادلاً بين بنتك وصهرك، أو بين شركائك، أو بين أهلك، بين من كلفك أن تحكم بينهم بالعدل، العدل من سمات المؤمن.
حينما نحكم شرع الله في حياتنا كلها يمكن أن ننال عطف الله وتأييده ونصره :
أيها الأخوة، مرة ثانية حينما نحكم شرع الله في حياتنا كلها يمكن أن ننال عطف الله عز وجل وتأييده ونصره، فالآية الثانية:
﴿ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾
[ سورة النور: 55 ]
ابحث دينك دين مظاهر، قد تجد إنساناً يوم الجمعة يتزين بزي إسلامي ويتعطر وفي جيبه السواك ومعه السبحة وينطلق إلى المسجد، مظهر رائع، لكن ماذا فعل في سهرة الخميس ماذا كان يفعل؟ ماذا كان يتابع؟ ماذا فعل حينما زار أقاربه؟ هل كان هناك اختلاط؟ ماذا فعل حينما دعا أصدقائه؟ كيف يكسب ماله؟ كيف يبيع الحاجة؟ أيقسم أيماناً كاذبة؟ هنا المشكلة، البند الأول: أن تدع كل شهوة لا ترضي الله، وأن تحكم اتصالك بالله، البند الثاني: أن تفحص دينك هل هو دين طاعة ودين انسياق وانقياد لله أم أنه دين مظاهر، في مظاهر دينية لا تعد ولا تحصى وكلها تأخذ بالألباب، ألبسة فخمة جداً وألوان باهرة وأبنية شاهقة وأعمدة وما إلى ذلك، وكتب مذهبة، هذه المظاهر عند الله لا تقدم ولا تؤخر، الله عز وجل لا ينظر إلى صورنا ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، يوم القيامة:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
[ سورة الشعراء:88-89]
أنا ديّن، لا شك أنت دين، أنت من رواد المساجد ومحسوب على المسلمين، يا ترى دينك دين مظاهر أم دين حقائق؟ دين علم أم دين تقليد؟ دين عبادة أم دين إخلاص للعبادة؟ والحديث في الدين، صار عندنا مصطلح جديد، أنا أعجب، اسمه إسلام الصالونات! مادامت النظم الوضعية كلها قد انهارت وأصبحت في الوحل لم يبقى إلا الدين، فكل الناس يتحدثون بالدين، يتصدر المجلس ويقول: أنا برأيي الإسلام مرن، الإسلام دين لا جمود فيه هذا تزمت، يريد أن يبيح لنفسه كل الشهوات باسم عدم التزمت، ودين مرن، فكل إنسان يتصدر ويتحدث عن الإسلام، والإسلام منه بريء.
2 ـ البند الثاني أن تفحص دينك هل هو دين طاعة وانقياد لله أم أنه دين مظاهر :
سمعت عن محامي أقام ثماني دعاوى كيدية كلها باطلة، فلما قدم له كأس شاي قال: أنا صائم اليوم! لأن اليوم اثنين، تجد مظاهر وأعمال من أجل أن تستقطب مشاعر الناس لكنك لست في المستوى الحقيقي، هذا البند الثاني، وهو أن تبحث عن دينك هل هو دين يرتضيه الله أم لا؟ العالم كله أديان، هل يوجد إنسان ما عنده دين؟ حتى الذي يعبد من دون الله أوثاناً هذا اسمه ديّن، عنده شعور بالخوف، الدين تلبية حاجة طبيعية في الإنسان، الإنسان خلق هلوعاً وضعيفاً وعجولاً، كتب عليه الفناء والموت، فأنت تلاحظ الإنسان حينما يقترب من الستين أو من الخامسة والخمسين يفكر بالدين، كل الناس حتى الذي كان ملحداً، حتى الذي كان إباحياً، حينما يدنو من حافة القبر يفكر، لعله يصلي في آخر وقته، لعله يفعل شيئاً، معنى هذا الدين حاجة طبيعية، وكل إنسان عنده دين بمفهومه، يوجد تسعمئة مليون بالهند بين بوذيين وبين هندوس وبين سيخ وكلها أديان وثنية، وبالعالم الغربي أديان عبارة عن مظاهر، وقد يسأل أحدكم هذا السؤال: ما سر كثرة هؤلاء الأتباع لدين وضعي لا أصل له؟ دين كله طقوس لا تكاليف فيه، فيه إعلان ولاء فقط، والولاء سهل، أنت أعلن ولائك لإنسان قوي يحبك وتأخذ ميزات كثيرة وأنت تؤذي الناس جميعاً، إلا أن الولاء لله وحده يقتضي أن تحسن إلى عباده كلهم، عظمة الإيمان لن يقبلك الله إلا إذا كنت مستقيماً محسناً، يا رسول الله مثّل بهم كما مثلوا بعمك حمزة، قال: لا أمثل بهم فيمثل الله بي وكنت نبياً.
عندما فتح الفرنجة القدس كم مسلم ذُبحوا؟ سبعون ألف مسلم ذُبحوا في يومين! عندما فتح سيدنا صلاح الدين القدس ماذا فعل؟ سمح لكل ساكني القدس من غير المسلمين أن يخرجوا ويحملوا على دوابهم كل حاجاتهم، وأن يبيعوا حاجاتهم لمن يشاؤون، والمسلمون اشتروا منهم بعض الحاجات بأثمانها ولم يظلموهم، بل إن هذا القائد الفاتح سيدنا صلاح الدين جاءته امرأة فقدت ابنها فوقف ولم يجلس حتى أعادوا لها ابنها، هذا الدين الذي ينصره الله عز وجل، لكن معقول أن تكون بمكان تسمع شتائم الدين مثل التسبيح لأتفه سبب يسب الدين، كيف سينصرنا الله؟ أنا أقول لكم: يوجد مشكلة كبيرة جداً، إما أن تحل جماعياً وإما أن تحل فردياً، هناك تخلٍّ من الله عنا، أنا لا أعتقد أنه مرّ على هذه الأمة وضع أصعب من هذا الوضع يوجد ضعف وتخاذل وتفرقة، شرذمة كلها بسبب بعدنا عن الله عز وجل، أقول لكم هذه الحقيقة.
كل العداوات والبغضاء بين المسلمين بسبب تقصيرهم في طاعة الله عز وجل :
قال تعالى:
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
[ سورة المائدة: 14]
كل العداوات والبغضاء بين المسلمين بسبب تقصيرهم في طاعة الله عز وجل، هذا البند الثاني؛ والذي هو اسأل نفسك بصراحة ـ أقول لكم دائماً: الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ـ دينك يرتضيه الله حتى يمكنك ويعلي قدرك ويرفع اسمك.
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
[ سورة الانشراح: 4]
لكن دينك الذي تظن أنه صحيح قد لا يرتضيه الله عز وجل، بعض الأمثلة: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام! كم إنسان اغتصب محلاً تجارياً أو شركة أو بيتاً؟ كم إنسان يغش المسلمين ويكذب؟ كذب وغش واغتصاب والمحاكم مليئة بالخصومات بين المسلمين، والله مرة قال لي إنسان يعمل في منصب حساس: في درجي ثمانون إخبارية، قال: الأب على ابنه والأخ على أخيه والشريك على شريكه! هؤلاء كلهم مسلمون، كل إخبار يقتضي دمار المخبر عنه! من المخبر؟ أخ أو زوجة أو ابن أو أب! من أقرب الأنساب، هؤلاء مسلمون؟ متى ترى أن الله يرحمنا ويعلي قدرنا وينصرنا على أعدائنا وينصرنا نصراً عزيزاً؟
على الإنسان أن يكون في عقيدته وفي عباداته وسلوكه على ما كان عليه النبي وأصحابه:
اتفقنا؛ أول بند: أن ندع كل شهوة لا ترضي الله، البند الثاني: أن نحكم اتصالنا بالله، البند الثالث: أن نتفحص ديننا، هل ديننا يرتضيه الله لنا؟ هل نحن على ما كان عليه النبي وأصحابه؟
((والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة واثنتين و سبعين في النار، قيل يا رسول الله من هم؟ قال: هم الجماعة))
[أحمد عن عوف بن مالك قال فيه السخاوي رحمه الله: رجاله موثقون ]
هل أنت في عقيدتك، في عباداتك وسلوكك على ما كان عليه النبي وأصحابه؟ والله أقيم احتفال عيد مولد في مسبح مختلط! مسبح تسبح المرأة إلى جانب الرجل بثياب فاضحة! صاحب هذا المسبح أراد أن يقيم مولد نبوي في هذا المسبح، ودعا أناساً تكلموا عن رسول الله في هذا المسبح، وأثنى على صاحب الدعوة، من أين يكسب ماله؟ من هذا الاختلاط، اختلاط فاضح، فحينما نقول: شيء جيد وطيب والناس كلها خير وبركة، هذه كلها سذاجة، إنسان رزقه كله حرام، إنسان يعتدي على الأنام، إنسان يفعل المنكرات، كيف تعتبره أخاك وقريباً منك؟
البند الأول: ترك كل شهوة محرمة وإحكام الاتصال بالله، البند الثاني: تفحص الدين.
3 ـ البند الثالث أن نصبر عن الشهوة الحرام وعلى طاعة الله وعلى قضائه وقدره:
البند الثالث: قال:
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ*فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
[ سورة إبراهيم: 46-47]
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
[ سورة آل عمران: 120]
إذا كان خالقنا يطمئننا لمجرد أن نتقي الله وأن نصبر هذا المكر الذي تزول منه الجبال ينتهي، المسلم الآن يشعر قريباً من اليأس، لا أمل، ضعاف، هناك أسلحة فتاكة، وهناك أقمار صناعية، وقنابل نووية، هناك إحكام في الإصابة على الكومبيوتر، هناك طائرات، هناك حاملات طائرات، هذه كلها قوى الكفر، قوية جداً وبطاشة، رأيتم في حرب البلقان ماذا فعلوا؟ لم يتركوا شيئاً أبداً، دمروا كل شيء فيها، والبلقان كما يقولون: رسالة القوي إلى أوروبا، وفي حروب تمت في الشرق الأوسط رسالة القوي إلى العالم الثالث، لكن ما خطر في بالنا مرة كيف نعتصم بالله؟ معقول نعتصم بالله عز وجل ثم لا نرى آياته الوهاجة، فالثالثة:
﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾
[ سورة سورة آل عمران: 120]
أنا علي أن أصبر، وعلي أن أتقي الله أي أن أطيعه، وأن أصبر عن الشهوة الحرام، وعلى طاعة الله، وعلى قضاء الله وقدره، هذا هو البند الثالث.
4 ـ البند الرابع غيّر ليغيّر :
البند الرابع هذا موضوع يسمونه ساخناً، المشكلة الآن مهما كان الموضوع الديني مغرياً لكن يوجد حولنا موضوعات ساخنة ترى نفسك مشدوداً إليها، فلا بد من أن يرى المؤمن ما حكم الشرع فيما يجري، ما حكم الشرع فيما نحاط به؟ البند الرابع أيها الأخوة:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾.
[ سورة الرعد: 11 ]
آية عملاقة، آية فيها الخلاص، غيّر ليغيّر، كن جريئاً، اذهب إلى بيتك، تفحص بيتك هل فيه معصية؟ تفحص عملك هل فيه مال حرام؟ في مال اكتسبته بالكذب والمبالغة، بالاحتيال، بإخفاء المعلومات؟ بضاعة بعتها بصفات ليست فيها؟ بضاعة بعتها ونسبتها لبلد مصنّع وهذا النسب غير صحيح، أنا أرى لا يوجد إنسان يصاب بمشكلة إلا ويجب أن يفكر من أين جاءتني هذه المشكلة؟ من خلل، الله عز وجل مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق مصيبة بلا سبب.
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾
[ سورة الشورى: 30 ]
كلام خالق الكون، البند الرابع: غيّر ليغيّر، والله أخ من أخواننا والله أنا أحبه، بعمله التجاري عمل مخالفات فتراجعت تجارته، تراجعت ترَاجعت لدرجة كاد أن يعلن إفلاسه، فزارني، سألته عن وضعه في العمل فبين لي، فقلت له: ما الشيء الذي فعلته مخالفاً للشرع دعه فوراً، وكلمة دعه تكلفه مبالغ كبيرة، رجل انصاع لأمر الله، ترك هذا الشيء وعاد لما كان عليه قبل أن تذل قدمه، والله غيّر معاملته، يجب أن تشعر بشكل صارخ أن الله غير، إذا غيّرت أنت الله يغيّر، لمجرد أن تنعقد توبة بينك وبين الله تجد أن الأمور كلها تغيرت، في بيتك وعملك وصحتك وعلاقاتك ونجاحك، الله عز وجل ينتظرك، ورد في بعض الآثار: يا داود لو يعلم المعرضون انتظاري لهم وشوقي لترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي في المعرضين فكيف بالمقبلين؟!!
أنت كطالب علم من حين لآخر خصص في برنامج يومي وقتاً للصلاة، ووقتاً للذكر، عندك نقطة ضعيفة هذه تتوب منها، هذه غيِّرها، عندك تقصير لمجلس العلم، خصص برنامجاً لمجلس العلم، احضر أكبر عدد من هذه المجالس، حتى الله عز وجل يجدك غيّرت هو يغير، فنحن في زمن الفتن، وفي زمن الشبهات والشهوات، وفي زمن القهر، المسلمون في العالم يحارَبون في أي مكان، ولا يوجد خبر سار متعلق بالمسلمين، إحباطات متتالية، يكاد هذا الإحباط ينقلب إلى يأس، يجب أن نتحرك، نبدأ مع الله عز وجل، ومهما ابتغينا حلاً أرضياً، لا يوجد حل أبداً بقناعتي، ما من يوم إلا والذي بعده أشر حتى تقوم الساعة، أما في حل سماوي؛ أن أغير كل منهجي وكل سلوكي وأن أغير كل علاقاتي، حتى يسمح الله عز وجل أن ينصرني على الطرف الآخر.
و الحمد لله رب العالمين